رواياتقطرة مطر

رواية قطرة مطر الجزء الثالث للمؤلفة مني لطفي

رواية قطرة مطر الجزء الثالث للمؤلفة مني لطفي

توقفت السيارة أمام مدخل البناية السكنية حيث تقطن عائلة مطر، فتنفست بعمق.. وأخيرا ستتخلص من وجوده بجانبها، كانت في أشد اللهفة للابتعاد عنه واللجوء الى جدران غرفتها الصغيرة علّها تستطيع فهم ما الذي يحدث معها، فهناك أحاسيس غريبة تجيش في صدرها لم يسبق لها أن اختبرتها قبلا، حتى مع خالد نفسه، حب طفولتها ومراهقتها، وكأنها أول مرة تجلس الى رجل، مع أن زملائها بالعمل كثيرين، وهناك ثلاثة منهم معها في القسم، ولكنها لم تشعر بما تشعر به الآن من اضطراب مخلوط بخجل.. عمدت إلى إخفائه بحدة مصطنعة!!..

دعت الله ألا يراها أحد من الناس، فشارعهم الجميع يعرف بعضه بعضاً، ولا تريد لمخلوق أن يظن بها الظنون، حين يراها وهي تترجل من سيارة غريبة، والأنكى.. أنه لم يسبق لمثيلها بالمرور من أمام شارعهم حتى، ترجته كثيرا أن يدعها تهبط بعيدا عن مدخل الشارع ولكنه أصر على ايصالها حتى باب بنايتهم السكنية..

تلفتت حولها فلم تلاحظ أحدا بالجوار فقالت كمن أوشك على التخلص أخيرا من حمل ثقيل:

– وأخيرا…

التفتت الى معاذ قائلة بابتسامة مجاملة:

– شكرا لك سيدي، وعذرا لتأخيرك.. بالإذن…

لتردف قائلة للسائق:

– شكرا لك عم رزق، أرهقتك معي..

نفى رزق بكلمات بسيطة، فيما قطب معاذ مستغربا لدماثتها، فمنذ رآها وهي لم تتصنع حتى بعدما علمت بهويّـته، مما جعله يتيقن من أنها إنما تريد الخلاص من رفقته سريعا، وأن أدبها الجم هذا ما هو إلا اصطناعا فقط ليس إلّا! الأمر الذي أزعجه، فهو على النقيض من ذلك كان يود لو تطول المسافة، فوجودها بجانبه وحديثها المستفز معظم الأحيان أنعش روحه، وجعله يشعر بالضيق كلما تذكر عودته لمنزل خال مظلم، فوالدته قد سافرت لقضاء بضعة أيام لدى شقيقتها المقيمة في مدينة “مرسى مطروح”، وذلك بعد أن تشاجرت معه آخر مرة وهي تحاول أقناعه بتغيير فكرته في الزواج، ليرفض بحسم فهددته بالسفر الى شقيقتها وتركه ليذوق طعم الوحدة بحق فقد يجعله هذا يغير من رأيه، فما كان منه إلا أن تمنى لها رحلة سريعة وأبلغها سلامه الى خالته وعائلتها بعد أن رتب أمر سفرها الى هناك جوًّا…

انتبه من حيرته على صوت صفق الباب ليسرع بالترجل وهو يناديها فالتفتت اليه تكتم زفرة ضيق فهي تريد الاسراع قبل أن يلمحها أحد من السكان، وصل اليها قائلا بهدوء:

– ما بالك تركضين، وكأنك تخشين أن أعود في كلامي وأهرب بك؟..

فهمس له صوت داخلي لئيم بأن ذلك ما يرغب به بالفعل!!.. قالت مطر بابتسامة صغيرة:

– كلا بالطبع، ولكن كل ما في الأمر أنني قد تأخرت كثيرا ولا بد أن القلق ينهش أمي الآن…

“كيف حالك مطر؟”..

كتمت شهقة عالية بينما تمتمت بشفاه صامتة أن يكون الصوت الذي سمعته خاطئا، لا يمكن أن تكون “الست شكرية”.. عُمدة شارعهم، من لا تخفى عنها خافية!!!.. بينما وقف أمامها معاذ مقطبا بريبة حائرة، فقد اكتشف أنه لا يعلم اسمها حتى اللحظة!!.. حتى حينما حدّث والدتها لم تذكر اسمها، فقد كانت تتكلم طوال الوقت عن”ابنتها” دون ذكر اسم لها، والعجيب أنه لم يخطر بباله هو أن يسألها عن اسمها؟!!.. “مطر”!! اسم غريب، ولكنه يتوائم مع شخصيتها العجيبة، من الواضح أن كل ما يتعلق بـ “مطر” له من الجنون نصيب، سواء كان اسمها، أم شعرها، وقطعا.. لسانها!!!..

انتبه من شروده على صوت تلك السيدة وهي تتحدث الى مطر والتي حانت منها التفاتة اليه، فتعمقت تقطيبته.. ترى لما شحب وجهها فجأة؟!!!..

التفتت مطر لتتأكد أسوأ مخاوفها فقالت بابتسامة بلهاء:

–  أهلا، خالتي شكرية!!!!!!!!!..

شكرية وهي ترمق معاذ بنظرات فضولية متسائلة:

– أهلا بك حبيبتي، خيرا؟.. لما تأخرت حتى هذا الوقت؟..

بينما تنظر الى معاذ بزاوية عينها وكأنها ترسل اليها رسالة مفادها أنها علمت الآن فقط.. سبب تأخيرها هذا؟!!!!

قالت مطر بابتسامتها ذاتها:

– سبق لي وخابرت أمي هاتفيا فالسيـ…

لحظتها تقدم معاذ ويقف جانبها ويقول بدماثة وهو يمد يده للسلام على شكرية:

– نسيت أن أعرفك بنفسي سيدتي.. أنا المعاذ بالله، رئيس.. مطر!!..

نطق اسمها وكأنه يتذوقه، ليشعر وكأن هناك عذوبة ما بأحرفه، تماما.. كطعم ماء المطر!!!!!

صافحته السيدة شكرية بابتسامة وقبل ان تهمّ بالحديث الذي رآه مسطورا على وجهها، بادرها قائلا بدماثة:

– عذرا سيدتي، فوالديْ مطر بانتظارنا….

حدقت مطر فيه واسعا بينما تابع وهو يدفعها براحته الكبيرة على ظهرها حتى تتقدمه:

– هيا مطر، فلا بد أن والدتك بانتظارنا منذ أن حدّثناها سوية!!!!!

لتسير مطر كالمغيبة بينما تابعتهما شكرية بعينين تكادان تخرجان من محجريهما ذهولا، فيما يعمل عقلها كالمكوك محاولا معرفة سبب قدوم رئيس مطر بالعمل معها، بل وانتظار عائلة الأخيرة له، إلا إذا……..!!!!

كادت شكرية ترقص فرحا وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة النصر، فلديها خبر لم يسبقها إليه أحد، وسيكون لها السبق في تفجير… المفاجأة!!!!!!!!!!..

ما أن اطمأنت مطر لعدم متابعة شكرية لهما وكانا قد وصلا الى طابق شقتها حتى وقفت تدفع يده بعيدا هاتفة بحنق وصوت مكتوم:

– ما الذي تظن نفسك فاعله؟.. ألم تجد سوى الخالة شكرية عُمدة المنطقة بل والمناطق المجاورة من تعلم حتى دبيب النمل، لتخبرها بهذه الترهات؟!!!

معاذ بثقة جعلتها تود ضربه بأول شيء ثقيل يقع تحت يدها فوق أُم رأسه:

– لو لم أكن قلت ما سمعته، كانت التكهنات لدى شارلوك هولمز هذه لتكون أفظع وأخطر!!!!!

قطبت متسائلة بتوجس:

– أفظع وأخطر؟!!!!!!! ماذا….

لتبتر استفهامها وقد فتحت عينيها على وسعهما قبل أن تقول بصدمة:

– ماذا؟.. هل تعني؟…

اكتفى معاذ بهز رأسه الى الأسفل في تأكيد لما وصلها من معنى، لتجحظ عيناها رعبا وهي تهمس بصدمة:

– فعلا، فتلك السيدة لا تظن الا كل سيء، والمغيظ بالامر أنها تسارع لنشر ظنونها السيئة تلك، قبل التحقق من صحتها!!

ثم أردفت بسخط:

– اللعنة يا شكرية يا بنت أم شكرية!!!!!…

صوت فتح الباب لفت انتباههما ليخرج رجل يبدو في أوائل الستينيات يقول بلهفة:

– أهذه أنت مطر؟..

بوغت معاذ باندفاعها من جواره لترتمي بين ذراعي ذلك الرجل كالطلقة، ليضمها الأخير بحنان، فعلم معاذ أن هذا ولا بد زوج والدتها، ومن تعبير الحنان الذي ارتسم على وجهه علم أن هذا الرجل يعد نفسه أبا بحق لتلك الـ عذبة.. مطر!!!

بعد أن احتواها في عناق أبوي حان، أبعدها عنه ناظرا الى معاذ وهو يقول بابتسامة:

– لا بد وأنك صاحب العمل حيث تشتغل ابنتي؟.. أخبرتني زوجتي أنك ستعيدها لتأخرها بالعمل…

ومد يده مصافحا ليتناولها معاذ باحترام قائلا بجدية:

– نعم سيدي، عذرا لتأخرها حتى هذا الوقت، ولهذا لم أشأ أن تعود بمفردها..

قال رياض:

– ونعم أصحاب العمل أنت أيها السيّد…

ثم أشار الى الباب المشرّع خلفه مردفا:

– تفضّل، فوالدتها تريد تقديم الشكر لك بنفسها…

ليدلف معاذ فهو قد شعر بحنان الأب والذي فقده منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وما أن وطأ بقدمه المنزل الصغير حتى شاهد نسخة عن مطر ولكن بعدما يزيد عن حوالي عشرين عاما، فارتسمت ابتسامة حالمة على شفتيه وهو يفكر أن مطر لن يخبو جمالها أبدا، بل سيزداد، تماما كالوردة التي تتفتح بعد فترة تاركة شذاها يعطر الأجواء حولها، وشكلها الجميل يخلب الألباب، ولدهشته داهمه إحساس غريب بأنه يود أن يكون موجودا وقتها، بل وفي جميع مراحل تفتحها، مستشعرا إحساسا غريبا بالتملك ناحيتها!!!..

تقدم مادّا يده للسلام على والدتها والتي رحبت به بدورها وشكرته على الاهتمام بعودة ابنتها سالمة، لتحين منه التفاتة فوقعت عيناه على آخر تطالعه نظراته بتهكّم وسخرية ممتزجان بغيظ وحقد غريبين!!!..

ارتاب معاذ في نظرات ذلك الشاب الذي يكاد يصرعه بعينيه، وما هي إلا لحظات حتى كانت نظرات ذلك الأخير قد حادت عنه لتلك الغافلة أو المتغافلة، والتي تقف بين أحضان أمها تقبلها وتمسح على شعرها، ليراقب عيناه فيلاحظ وبوضوح اهتماما وشوقا، وكأن رؤيته لها قد أسبغت حنانا على نظراته الجامدة التي كان يرشقه بها قبل ثوان!!!…

ابتعدت مطر عن ذراعي أمها وهي تسمع صوته يقول بعتاب رقيق:

– ألن ترحبي بي أنا الآخر صغيرتي!!

أحجم معاذ نفسه وبصعوبة عن لكم ذلك الصفيق بقبضته القوية لندائه لمطر واصفا إياها بـ.. صغيرته!!.. أي أنه لا يدللها فحسب بل أنه يقرن اسمها المدلل بياء الملكية!!

كاد أن يمد يده يجذبها بعيدا عنه بقوة وهو يراها وهي تبتعد عن أمها وتسير نحوه لترفع يدها مصافحة وما أن أقفل على راحتها الصغيرة ذلك البائس داخل يده الكبيرة، حتى شعر معاذ وكأن يده اللعينة تلك تطبق على أنفاسه هو.. تكاد تزهقها!!..

سحبت مطر يدها بصعوبة من قبضة خالد المتشبثة بها، فيما تداركت أمها الوضع فهي خير من يعلم بحالة ابنتها النفسية الآن:

– هيا مطر، بدلي ثيابك، ريثما أعد طعام العشاء…

انتبه معاذ إلى وجوب استئذانه ورحيله، فمن الواضح أنهم يحتفلون بعودة رب العائلة بالسلامة، ليراوده سؤال غريب.. “تراه لو طلب أن ترحل معه مطر.. ما سيكون رد فعلهم حينها؟”…

انتبه من تساؤله الصامت على صوت رياض يقول ببشاشة:

– تفضل سيدي، أنت مدعو لتناول طعام العشاء معنا..

حاول معاذ الاعتذار ولكن رياض أصر وزوجته صممت وهو… لم يرفض!!!.. فلم يكن ليرحل الى منزله حيث وحدته تنتظره بينما تجلس هي مع ذلك المعجب الأبله!!!!

وكأن رياض قد قرأ تساؤله حيث قال بهدوء مشيرا الى خالد:

– خالد.. ابني!!!!

قطب معاذ في ريبة فنظرات ذلك الـ خالد الى مطر ليست نظرات أخ لأخته أبدا، فقال محاولا التأكد :

– أنت أخ مطر إذن؟..

رياض بابتسامة:

– خالد بمثابة أخيها، ولكنه ليس شقيقها البيولوجي، فهو ابني من زيجة سابقة!!!!!!

ها قد استطاع حل لغز نظراته الغريبة اليها، من الواضح أن والده لا يعلم حقيقة مشاعر ابنه تجاه ربيبته، فالأخوة آخر شيء يفكر فيها ذلك الـ خالد تجاه… مطره!!!!

مهلا مهلا… منذ متى وأصبحت مطر.. مطره هو؟!!… كيف استطاعت تلك المتسلطة الصغيرة النفاذ الى داخله واختراق درعه السميك بهذه السهولة؟…

انتبه على صوت رياض وهو يسأله.. “لما لا يأكل؟.. ألم يعجبه الطعام؟”…

ليفاجئ بنفسه وهو يجلس الى مائدة طعام مستديرة وقد رصّ عليها أطباقا عديدة، فتساءل في ذهول.. “ترى متى وكيف انضم اليهم الى المائدة؟.. فهو لا يذكر أنه قد سار خطوة واحدة منذ اكتشافه المذهل الخاص بـ.. مطره!!!”…

كان يجلس مقابلا لمطر والتي جلست الى يمين والدتها التي جلست بدورها الى يمين زوجه فيما جلس خالد الى يسار أبوه وجلس هو بدوره إلى يسار الأخير، ليأتي كرسيه مواجها لمطر تماما!!!!…

تبادلت مطر الأحاديث المرحة مع زوج والدتها وكانت منطلقة وعلى سجيتها معه، ولكن ما أن يقوم خلد بالتعليق حتى تنكمش وتتحفظ سواء في ابتساماتها أو ردودها المقتضبة والتي كانت تجيب بها على أسئلته الموجهة إليها بصورة مباشرة!!!..

إذن.. فمطر تعلم بشكل أو بآخر بما يساور ذلك الأحمق من إعجاب بشأنها، وإلا ففيمَ تحفظها الواضح معه؟.. بالكاد أخفى ابتسامة نصر كادت تفضحه وقد أصبح على يقين أن مطر لا تبادل الأخ خالد الاعجاب، والدليل برودها الظاهر معه، وكأن هذا الأمر كان بمثابة فاتح للشهية له، إذ سرعان ما أقبل على تناول الطعام بتلذذ، مادحا صنوفه المختلفة ومانحًا شهادة الايزو لوالدتها، فطعامها من أشهى ما أكل في حياته!!!

استرخى في مقعده وقد شعر بالامتلاء والتخمة بعد هذه الوجبة الدسمة والمكونة من أنواع متعددة من المحاشي و… “دكر بط” بلدي… كما أخبرته الأم وهي تضع نصيبه منه أمامه، فخورة بأنها من قامت بشرائه، فهي تعلم جيدا كيفية التفريق بين البط “البلدي” والآخر… الـ “هجين”!!!

مالت ناحيته مطر وهي تمسك بصينية الشاي بين يديها، ليتناول كوبا متمتما بالشكر وعيناه تلاحقانها بلا هوادة، فامتقع وجهها خجلا، بينما هو أخفى ابتسامته فقد نجح في ارباكها تماما كما فعلت هي منذ  لحظة ظهورها في حياته والتي قلبتها رأسا على عقب، مع أنه لم يكن يعلم بوجودها حتى مساء اليوم، ليكون ظهورها في حياته أشبه بسقوط الأمطار فجأة على أرض صحراء فتقوم بريّها، وإنبات زرعها..

دارت مطر بالصينية على الباقين، وكانت قد توقفت لثوان أمام خالد، ليلاحظ معاذ بعض الهمهمات المنخفضة بينهما، قامت مطر بعدها بوضع الصينية جانبا قبل الاستئذان منصرفة، فقطب بريبة ولكن أخرجه صوت رياض من تأملاته، وهو يجذبه في حديث جانبي عن سوق العمل فالأخير كان يعمل مديرا ماليا لإحدى المصالح الحكومية قبل خروجه من الوظيفة لوصوله الى سن المعاش….

رؤيته لخالد وهو ينهض للحاق بها مستغلا انشغال والده بالحديث معه وعدم وجود والدتها أثارت حفيظته ليقاطع رياض معتذرا عن رغبته باستعمال دورة المياه، وحالما شرع رياض بالنهوض اعترض بقوة قائلا أنه لا يعد نفسه غريبا، فقط فليخبره بالاتجاه الصحيح وهو سيذهب بمفرده….

دلف الى الممر الواصل الى غرف النوم كما أخبره رياض، ليفاجئ بخالد وهو يقف أمام مطر، يكاد يلتصق بها، يهمس لها بما يشبه التقريع العنيف، بينما الأخرى فهي تقف أمامه، تجابهه بتحد زاد من غضب الأخير، ليفاجأ به معاذ وهو يفتح الباب حيث تستند مطر ويدفعها الى الداخل وهو يتبعها، مغلقا الباب خلفهما بإحكام، ولم يستغرق الأمر سوى لحظات معدودة!!!..

انتبه معاذ من ذهوله، ليتجه ناحية الغرفة بخطوات واسعة وهو ينوي اقتحام المكان بل وتكسيره فوق رأس ذلك اللعين، حينما أوقفه صوتها وهي تهتف بحدة غير عابئة ان سمعها سكان المكان أم لا:

– ماذا تريد يا خالد؟.. ها!!… ما شأنك أنت بي أو بـ.. معاذ؟!!!!

فتح معاذ عينيه على وسعهما وهو يسمع اسمه وكأنه ذلك الأخرق يلومها في شيء خاص به، اقترب من الباب واضعا يده على مقبضه متحفزا للدخول في أية لحظة أن تجاوز ذلك البغيض حده، بينما سمع صوته الكريه يقول بغضب مكتوم:

– ما الذي بينك وبينه يجعله يأتي بك إلى المنزل وهكذا أمام الناس؟.. ومن هو ليقلق حول عودتك بمفردك؟.. ثم… لما لم تكلمي والدتك لكنت قد أتيت إليك من فوري لو علمت بصعوبة إيجادك لوسيلة مواصلات مناسبة!!!

“ماذا يقول ذلك الأرعن؟.. ومن ذا الذي كان سيسمح لك أيها الغبي بتركك تأخذها؟.. خسارة… أن كنت فعلتها لكنت أمرت رزق بأن يساويك بالأرض أسفل عجلات السيارة أيها الأبله!!!!”….

أنصت جيدا لصوتها الذي انطلق يجيب بحدة مكتومة:

– أعود وأكرر أنني قد هاتفت والدتي بالفعل، ثم… ما دخلك أنت بي خالد؟.. أنت لست وليّ أمري!!!!

صمت دام لثوان جعله يقطب في ريبة ليهم بإنزال مقبض الباب الى الأسفل قبل أن يسمع خالد وهو يقول بصوت متحشرج عاتب:

– الآن أنا لا دخل لي مطر؟.. من كان المسئول عن جميع شئونك سابقا؟..

لتجيبه مطر بسخرية مريرة:

– ها أنت قلتها بلسانك خالد.. سابقا!!.. أي في الماضي، ونحن الآن في الحاضر يا ابن عمي رياض!!!!

خالد بحزن ومرارة:

– ابن عمك رياض!!!!… هل تضاءلت مكانتي عندك الى هذا الحد الذي أصبحت فيه مجرد ابن زوج والدتك فقط؟!!!

مطر بتعب:

– ماذا تريد خالد؟.. لقد تعبت من كلماتك تلك التي تحمل معاني مزدوجة، ثم أنا لم أكذب، فأنت ابن عمي رياض، زوج أمي ووالدي الذي قام برعايتي منذ صغري…

خالد برجاء:

– لا تبعديني عنك مطر، امنحيني الفرصة لأصلح الوضع الذي تسبب فيه كلانا!..

مطر بغيظ وسخط:

– أي وضع ذلك خالد؟.. أهو تركك لي بعد اهاناتك المستمرة وكأنك قد تفضلت عليّا بالارتباط بي؟.. أم هو تجاهلك المستمر لما بيننا والبرود الفظيع الذي كنت تعاملني به وكأنني مستخدمة لديك ولست.. خطيبتك!!!

جحظت عينا معاذ فيما تابعت مطر بمرارة:

– أم… وضع أنك قد تزوجت في أول فرصة سانحة لك ولم يكد يمر على انفصالنا أشهر قليلة؟!!.. أي وضع في هذه الأوضاع مجتمعة تريد إصلاحه بالله عليك؟..

خالد بلهفة وترجي:

– كلها، أعدك مطر.. سأصلحها كلها..

مطر بنفاذ صبر:

– لم يعد يجدي خالد.. فأنت الآن زوج لأخرى، وأنا لن أكون السبب في هدم بيت انسانة لم تخطأ بحقي في شيء..

خالد بإلحاح:

– لن تكوني السبب مطري، فأنا ومنذ اليوم الأول لنا معا لم أستطع تقبلها، ما أن أقترب منها حتى أراكِ فيها، وجهك، شعرك حتى رائحتك، أنا…

صاحت مطر بغضب:

– اصمت!!… لا تتكلم!.. حديثك يشعرني بالقرف والاشمئزاز، كيف تقرب زوجتك وأنت تتخيلها أخرى ليست بحلالك!!!!!

خالد بشرّ:

– لن أسكت مطر، واليوم بل الآن سأفاتح والدي بما أريده حقا!!!!!

مطر بتوجس وريبة:

– وما هذا الذي تريده خالد؟..

خالد بعينين تلمعان عزيمة وإصرارا:

– أنتِ!!!!!!!!!!!!!

ليفاجآ بمن يقتحم عليهما الغرفة بقوة كادت تقتلع الباب من مكانه، وتقدم بعدها الى الداخل فطالعه خالد بريبة ومطر بذهول وصدمة، وما أن فتح خالد فمه بنيّة تقريعه لذلك المتطفل اللعين لاقتحامه المكان عليهما، حتى كانت قبضة معاذ قد طارت لتلتصق بفكه في قوة لتطيح به الى الوراء عدة خطوات وسط شهقة ألم منه، فيما كتمت مطر فمها بيديها قبل أن تهرع لمعاذ تقف أمامه تمنعه عن إعادة الكرة، وبينما وقف خالد يترنح لشعوره بالدوار فقد عمدت لكمة معاذ القوية الى جعل رأسه يدور بقوة وكأنه سينفصل عن جسده، كان الأخير يقف أمامه شاهر سبابته بتحذير بينما يقبض بيده الأخرى على معصم مطر، وهو يهدر بغضب وحشي وبصوت مكتوم:

– أقسم أن اقتربت منها ثانية أكثر من مائة متر  سألقنك درسا لن تنساه ما حييت!!!

وقبل أن يترك له الفرصة للحديث كان قد جذب مطر بقوة متجها خارج الغرفة وهو يهمس آمرا بعنف:

– هيّا!!!!!

لتنصاع إليه كالمنومة، وخرجا فيما تهاوى خالد على ركبتيه وقد أيقن أنه على وشك الخسارة لمنافس لا يُستهان به، ولكن مهلا.. وحدها مطر من تملك الكلمة الأخيرة في هذا الشأن، وهو على يقين من أنه لو خيّرها فإنها ستختاره هو… حلم الطفولة وحب الصبا!!!..

*******************************************

يتبع ….

جميع الحقوق محفوظة للمؤلفة مني لطفي

تحت رعاية مبادرة كلمات ليست ككلمات

الجروب الرسمي للمبادرة علي الفيس بوك : من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى