رواياتقطرة مطر

رواية قطرة مطر الجزء الأول للمؤلفة مني لطفي

رواية قطرة مطر الجزء الأول للمؤلفة مني لطفي

وأخيرا انتهى هذا اليوم الطويل بعد ان كادت تظن أنه لا نهاية له!!!.. فعلى عكس ما توقعت فقد عاد صاحب المؤسسة حيث تعمل.. فجأة! وقام بعقد اجتماع طارئ لرؤساء الأقسام بعد أن ذاع سبب غيابه طوال هذه الفترة وهو أنه قد تم اكتشاف اختلاس مبالغ مالية كبيرة في فرع الشركة بالمدينة الأخرى ليذهب من فوره الى هناك ليتم الامساك بالمختلس والذي تبيّن أنه موظف بقسم الحسابات حيث كان يعمد الى اختلاس مبالغ ضئيلة وتزوير حسابات العمل كي يخفي فعلته، وكادت تمر على رئيسه لولا أن طمعه هو من أوقعه آخر مرة فقد وسوس له شيطانه أن يزيد من المبالغ المسروقة فهو بارع في اخفاء آثاره، وما ان فعلها حتى كانت الفاجعة الكبرى بالنسبة له، فرئيسه لم يكن معمي عينيه عنه كما كان يظن، بل نقل شكوكه لصاحب العمل والذي قدم بنفسه للامساك بالسارق وما هي الا هنيهة بسيطة وكان قد وقع بين يديه كالثمرة الناضجة!!!!…

ليعود بعدها صاحب المؤسسة وشياطينه تتراقص في عينيه وقام بعقد اجتماع طارئ أخبرهم فيه بما حدث وان كانت الاخبار كانت قد انتقلت بالفعل ولكنه أراد أن يفهم كل موظف لديه أن له أعين في كل مكان، وأنه لن يرحم أبدا خائن الأمانة مهما كانت أسبابه أو أعذاره بل ومهما كانت شخصيته هو نفسها حتى لو كان السارق أخيه نفسه، فهو… لن يرحمه!!!!..

همهمت لنفسها وهي تتجهز لتعبر الطريق حيث موقف الحافلات على الناحية الاخرى منه:

– لا بد وأن اليوم ليس بيوم سعدي إطلاقا!!!

فبداية من الخبر الذي تلقته كوقع الصاعقة عليها في الصباح الباكر، ثم تقريع الأستاذ “نظمي فتح الباب” رئيسها المباشر لتأخرها عن مواعيد العمل الرسمي، والذي لولا ذاك الخبر لم تكن لتصمت على تعنيفه لها، وأخيرا تأخرها بسبب تسلط هذا الـ “عياذُ بالله”.. والذي صمم على معاقبة الجميع لجريمة لم يرتكبها إلا فرداً واحداً، إذن.. ألا يستحق لقبه الذي أطلقت عليه؟.. الـ “عياذُ بالله” بدلا من.. “المعاذ بالله”!!!!..

– أوووف… لا… لا بد أن هناك شيء خاطئ، لا يعقل أن يكون هذا اليوم منحوس إلى هذا الحد؟!!
هتفت بحنق لنفسها وهي تكتشف أنها قد نسيت مظلتها في المنزل، ولأن الجو كان صحوًّا في الصباح لم تنتبه، ولكن الآن.. فإن المطر ينهمر وكأن أحدهم يسكب دلوا مملوءا واحدا إثرالآخر!!!…

نزلت بقدمها من فوق الرصيف وهمّت القدم الثانية باللحاق بالأولى عندما مرّت سيارة سريعة وكأنها تركض في سباق ماراثوني وفي أقل من لمح البصر كانت مياه البركة القابعة في منتصف الطريق قد طالت “مطر” التي صرخت بصدمة لتحاول الابتعاد عن مرمى المياه ناسية أن رصيف المشاة خلفها فاختل توازنها لتجحظ عيناها رعبا وهي ترى أن مصيرها سيكون لا محالة فوق قارعة الطريق ومن المؤكد أنها لن تسلم من كسور من الدرجة الثانية على أقل تقدير فأغمضت عينيها وانتظرت مصيرها المحتوم!!….

ولكن… وكأن القدر قد رأف بها لهذا اليوم، إذ وجدت نفسها وقد نجت بأعجوبة حيث لم تسقط كما تخيّلت، فهناك حاجز صلب قد حال بينها وبين تلك السقطة التي كانت ستتسبب في كسور لعظامها وتهشيم لكرامتها في ذات الوقت!!!!!

صوت رجولي حاد طرق مسامعها فيما يد خشنة امتدت تصفع وجنتيها بخفة ظنًّا منه أنها قد أغشي عليها، لتفتح عينا واحدة تستطلع من يكون صاحب اليد الحديدية، وتلقائيا ارتفعت أهداب عينها الثانية وهي تنظر الى الوجه القريب منها حتى أن أنفاسه قد ضربت صفحة وجهها لتشعر بحرارتها وقد… لسعتها!!!!

لم تتبين الصورة أول الأمر فما أن ارتفعت رموشها حتى سقطت قطرة مطر كانت عالقة بها لتحط فوق بياض عينها فلا اراديا  اغمضت عينيها ثم عادت لفتحهما وقد رمشت باهدابها الطويلة المبللة عدة مرات حتى تصفو الرؤية أمامها، بينما على الطرف الآخر كان ذو القبضة الحديدية قد تسمّر مكانه ما أن لمح شعاع عينيها العسلي.. وكأنها الشمس وهي تودّع الأرض غاربة قبل أن تسقط في مياه البحر بكل وداعة وإباء!!!!…

كان هو أول من قطع خيط تواصلهم البصري بسؤاله الذي خرجت حروفه بصوت خشن:

– أنتِ بخير؟…

مرفقا كلماته بيده وهو يسندها براحته الكبيرة فوق ظهرها كي تعتدل، لتمسك تلقائيا بمقدمة معطفه حتى تحافظ على توازنها، وما أن استوت واقفة حتى مدت يدها الحرة تزيح خصلة شعر متمردة – احتار في لونها – أحاطت بوجهها وقد انزاحت قلنسوة معطفها الى الخلف وأجابت بصوت ضعيف هامس وهي تشيح بعينيها بعيدا بينما قلبها فهو يدق بشدة بصورة لم يسبق لها أن حدثت:

– الـ.. الحمد لله، شـُ.. شكرا لك…

صمت امتد بينهما فلم يعلّق على جوابها لتنظر اليه بدون وعي فتفاجأ بنظرات غامضة تطالعها قبل أن تنتبه الى أن يدها لا تزال تتشبث بمعطفه لتشهق بنعومة وتبعدها سريعا كمن يخشى الاحتراق!!… قال بصوته الرجولي الواثق:

– انتبهي لموضع قدميك يا صغيرة، فهذه المرة مرّت بخير، لا يعلم  إلا الله ما الذي كان من الممكن حدوثه لك إن لم أستطع اللحاق بك!!

بدأت الفراشات التي شعرت بها ما ان لمحت عينيه أول مرة تطير ويحل بدلا منها فوج من الدبابير ما ان سمعت لقب “صغيرة”… والذي تمقته بشدة، لتزيح يدها سريعا وتحاول الوقوف جيدا مجبرة ساقيها على الثبات بعد ان استحالتا الى قطعة من الهلام نتيجة لما مرّت به، ثم تجيبه بعدها رافعة رأسها في شموخ وإباء جعل بريق من الاعجاب يمرق سريعا من بين سحب دخانيّ عينيه لكنها لم تنتبه له:

– عذرا ان كنت تسببت في ازعاجك سيدي، ولكنك لم تكن ملزم بمساعدتي، عامة… أعتقد أنك قد أضعت من وقتك الثمين الكثير، دعني لا أعطّلك عن أشغالك!!

وأرفقت قولها بنظرة شاملة الى ثيابه ذات الماركة المشهورة، فمع أنها لا تقتني منها ولكن هذا لا يمنع أنها شغوفة للغاية بمتابعة الجديد من الازياء والموضة بل واحيانا تقوم بتفصيل بعض الموديلات منها لنفسها بأقل التكاليف، فهي تعليم أمهر خيّاطة بالبلد كما دأبت على وصف أمها دوما!!…

همست في سرّها أنها على ثقة من أن هذا الرجل الغريب ليس بأقل من رجل أعمال تماما كـ “ولعياذ بالله”… صاحب العمل عندها، فنظراته وثقته بنفسه وصوته الآمر، ناهيك عن ثيابه وحذائه اللذان يكلفان ثروة صغيرة أبلغ دليل على أنه قد يكون سليل إحدى العائلات الملكية الشهيرة!!!!…

قال الغريب بنظرات تلمع كالألماس الأسود وبصوت قوي منخفض النبرات:

– ان كانت كلمة.. “صغيرة”… قد ضايقتك لهذا الحد، فلا تتصرفي تصرّف الصغار ثانية، حتى لا تعطي انطباعاً خاطئا عنك يا…. “صغيرة”!!!!!!!..

وتركها وانصرف بينما تابعته هي بعينين مفتوحتين في ذهول وفم فاغر بعدم تصديق، فيما قطرات المطر والتي كانت قد خفّت بعض الشيء عادت للانهمار بقوة وكأنها دلو الماء الذي انسكب عليها ليوقظها من غفلتها، فتلفتت حولها، قبل أن ترفع قلنسوة معطفها وتركض تحت المطر كي تحتمي بموقف الحافلات وهي تشتم ساخطة فهي قد نست مظلتها في المنزل صباحا!!!!

وقفت مطر فجأة وقد نست تماما ما كاد يحدث منذ دقائق وكأن غيرها هي من كادت تصطدم بذاك الحائط البشري، لتحدث نفسها بابتسامة وليدة بأن أمها كانت دائما تلومها على وقوفها تحت المطر مصرّة عليها على حمل المظلة معها دائما، كما أنه قد مضى زمن لم تركض فيه أسفل قطرات المطر التي تنهمر كالشلال، لتتسع ابتسامتها حتى غدت ضحكة من القلب تجلب البسمة الى وجه من يقع ناظريه عليها، وتشرع بالسير بصورة أسرع ليتحول الى هرولة فـ…. ركض تحت المطر!!!!!!!!!

صدحت ضحكاتها عاليا في هذا الشارع الذي يكاد يخلو من المارّة، فالجو شتاء قارص، ومن تدفعه ظروفه للنزول في مثل هذا الطقس فهو يسرع دون توقف هربا من البرد الشديد والمطر المنهمر كالسيل العرم….

توقفت ترفع وجهها الى الأعلى مغمضة عينيها فاردة ذراعيها بجانبها على وسعهما وكأنها تستقبل قبلات حبيب تتناثر بخفة على وجهها، غافلة عن زوج من الأعين لم يستطع صاحبهما رفع نظراته بعيدا عن هذه اللوحة الفاتنة، حيث وقف على بعد خطوات منها  وقد تسمرت عيناه عليها تنهل من حلو قسماتها، بينما تاه عن حديثه الهاتفي حيث اضطر الطرف لآخر لمناداته عدة مرات ولكن دون جدوى، ليصحو فجأة من شروده الغريب هذا على صوت سائقه الخاص وهو يصيح:

– انتبه سيدي!!!..

ولكن صوت السائق كان يتداخل معه صوتا آخر أنثويا ناعما، ليشعر فجأة بعاصفة مبللة تندفع ناحيته لتلقيه أرضا بينما ارتفعت أصوات شجار عالية، فيما هتف الصوت الناعم بقلق عظيم:

– سيدي… هل أنت بخير؟..

كان يطالعها بعينيه وكأنه لا يراها، لترفع يدها الصغيرة تلقائيا تمسد وجنته الخشنة وهي تهتف بلهفة:

– سيدي أرجوك أجبني…

صوت السائق أثار انتباهه وهو يقف خلفها يقول لاهثا:

– هرب ابن الـ******، ولكني استطعت استعادة هاتفك الشخصي منه سيدي…

للحظات ظلّ تائها وكأنه لا يتذكر من هو، أو ما الذي حدث فعليا، استعاد بعدها رشده وتمتم ببطء وهو يحاول النهوض:

– أنا.. أنا بخير…

سريعا لاحظت مطر محاولاته للقيام فتشبثت ذراعها النحيفة بكتفيه العريضين وقالت بجدية وهي تحاول مساعدته على الوقوف:

– حسنا ارتكز عليّا…

ليهرع السائق بالامساك بيده الأخرى وهو يهتف بقلق:

– هيّا سيدي…

ليلقي بمعظم ثقله على سائقه فتلك الصغيرة لن تحتمل ثقل ذراعه على كتفيها الرقيقين!!…

ما ان اعتدل واقفا حتى قالت مطر للسائق:

– امسكه جيدا.. ثوان..

فقال هو:

– أنا بخير، لا داعي لـ..

قاطعته مطر وكأنه لم يتكلم وكانت قد أخرجت قارورة مياه من حقيبتها اليدوية ومدّتها ليه:

– هاك.. اشرب قليلا من الماء حتى تستعيد أنفاسك الهاربة كاملة..

قطب غير مستسيغا لحديثها دون ان يتناول القارورة منها وقال بذهول ممزوج باستنكار تام:

– ماذا؟.. أنفاسي الهاربة؟.. ولماذا تهرب بالله عليك؟.. أنا لم أخف!!

زفرت مطر بضيق وهي تقلب عينيها الى الأعلى وقد بدأ قلقها الطبيعي عليه بالخفوت واجابته بصبر:

– الخوف هو الشعور الطبيعي، والذي يحس به الانسان الطبيعي، لدى تعرضه لمحاولة سرقة، بل وهجوم من لص حقير، كما حدث لك تماما.. منذ لحظات!!..

ثم أعادت عينيها اليه وهي ترسم ابتسامة واسعة بلهاء على فمها، مردفة كأن شيئا لم يكن:

– أعتذر على اعتقادي أنك مثل سائر البشر… خطأ ولن يتكرر!!..

أضافت كلماتها الأخيرة وهي تركز عينيها على نظراته التي شابها الغموض ليقطع صوت السائق سكونهما المغلف بشرارات من التحدي والقوة:

– هلّا صعدت الى السيارة سيدي؟.. فالمطر ينهمر بشدة وقد ابتلت ملابسك للغاية.. أخشى أن تسوء حالتك..

لم يرفع عينيه بعيدا عنها وهو يقول بتؤدة:

– لا عليك يا رزق، فأنا بخير، كلّما هنالك أن ذاك الحقير هو من جذب الهاتف من يدي بقوة وهو يدفعني بعيدا ولسرعة دراجته النارية لم أستطع تمالك نفسي..

رزق وهو ينظر الى مطر بابتسامة:

– الشكر لكِ بعد الله يا ابنتي، فأنت من ركضت اليه بسرعة ومنعت ارتطام رأسه بالأسفلت وإلا كانت العواقب وخيمة..

مطر بابتسامة صادقة موجهة كلامها الى ذلك السائق العجوز:

– لم أفعل شيئا يستوجب الشكر يا عم، بالإذن….

وهمّت بالابتعاد لتتوقف فجأة وقد وسوس لها شيطانها أن تضيف للواقف، يراقبها بعينين قاتمتين، بخبث وابتسامة براءة مزيفة:

– إحذر في المرة المقبلة، فالله وحده يعلم ما كان سيحدث لو لم نتواجد بالجوار.. انتبه لموضع قدميك يا… صغير!!!

وتركته ورحلت وشفتيها تعلوهما بسمة النصر فها هي قد ردت له الصاع صاعين، ألم ينعتها بالصغيرة عندما أوشكت على الوقوع رغما عنها؟.. إذن فهو أيضا صغير فقد كاد هاتفه أن يُسرق بل كاد هو نفسه أن يصاب جرّاء ذلك… إذن فهو صغير بدوره، بل أصغر منها في الواقع!!!!!!!!!

يد امتدت تقبض على مرفقها جعلتها تطلق صيحة صغيرة قبل ان تلتفت لتفاجأ بعينين بلون الفحم المشتعل تطالعانها بغضب مكتوم، فيما تحدث صاحبهما بلهجة باردة أبعد ما تكون عن رؤوس النيران المشتعلة التي تراها داخل سواد مقلتيه:

– إلى أين؟…

طالعته باستهجان وعينيها تشعان كحجري كهرمان هاتفة بحنق:

– وما دخلك أنت؟..

أجابها وقطرات المطر تنهمر انهمارا فوق رأسيهما:

– لأنه وعلى الرغم من لسانك السليط هذا، فأنا لا أستطيع ترك فتاة بمفردها في مثل هذا الجو، خاصة والظلام قد بدأ يحل بالمكان، ولا أمل لوجود وسيلة مواصلات في مثل هذا الطقس، لا سيّما والمنطقة هنا بعيدة عن العمران..

تمتمت بشتيمة خافتة فحديثه صادق بصرف النظر عن عنجهيته وغروره وهو يتكلم معها وكأنه يحدث غبيّة لا تفهم بنظراته الساخرة، لتزفر بضيق مفكّرة ترى ما العمل، وهي تكاد تجزم أنه ما من سبيل للعثور على وسيلة مواصلات آمنة، خاصة أن آخر حافلة قد انطلقت أثناء انشغالها في انقاذ.. “المحروس”!!!…

وقف ينتظر جوابها وعندما وجد أنها ستقضي وقتا أطول في التفكير ضغط على ذراعها ودفعها أمامه، لتفاجأ به وهو يجبرها على السير غير ملتفت الى هتافها الغاضب، وما أن وصلا حيث سيارته حتى كان رزق السائق يفتح الباب الخلفي فيما تحدث هو ببرود وصرامة:

– اصعدي!!

صاحت بغضب:

– لن أصعد، واترك ذراعي فأنا لست بمجرم فار من العدالة!!..

ببرود صقيعي وصلابة قال:

– دعي عنك عناد الصغار واصعدي يا… صغيرة!!!!

شرعت بفتح فمها وهي تنوي أن تصب على رأسه جميع أنواع الشتائم التي تحفظها بل والتي سمعتها حينما قاطعها السائق قائلا بأبوة وحنان:

– اصعدي يا ابنتي، فالمطر شديد وستمرضين أن مكثت أكثر من ذلك، سأقوم بتوصيلك حتى باب منزلك..

نظرت الى رزق في تردد لمحه الأخير ليردف بشبه رجاء:

– هيّا ابنتي…

فنظرت بغلٍّ وحقد الى ذلك القابض عليها كشرطي نجح في الإمساك بالمجرم قبل أن تجذب ذراعها بقوة لتفاجأ بتركه لها بمنتهى اليسر والسهولة، ومالت لتصعد الى المقعد الخلفي لتتوقف للحظة نظرت اليه فيها بغرور وهمست بمكر:

– الحال من بعضه يا…. صغير!!!!!

نعتها ثانية بالصغيرة، إذن فستناديه هو الآخر بـ… الصغير، ضربة بأخرى، فالسخرية ليست حصرا على السيد مغرور!!..

أملت عنوانها للسائق فيما سارت السيارة بسلاسة، وكان رزق قد قام بتشغيل المدفئة الداخلية ليغمرها شعور بالراحة تكاد تركن لها، لولا ذلك المغرور البغيض الذي يجاورها على المقعد الخلفي، تكاد يشعر به يملأ فراغ السيارة الداخلي، على الرغم من أن تلك الأخيرة تملك صالون للركاب يقارب غرفة الصالون بمنزلهم الصغير!.. ليس هذا فحسب، بل ذلك العطر الرجولي الذي لم تشم مثله قبلا، على الرغم من أن زوج والدتها من النوع الذي يحب الروائح والعطور ولكنها لم تختبر لديه عطرا يماثل هذا الذي يفوح من جارها البغيض!!!!..

زفرت بتعب عندما تذكرت ما ينتظرها في المنزل، فلا بد وأن عمها رياض قد وصل الى المنزل الآن مع… خالد!!!

أغمضت عينيها بتعب لتفلت منها زفرة يأس، فرمت برأسها الى ظهر المقعد الوثير غافلة عن عينين سوداء لم تطيعا أمر صاحبهما حيث التصقتا بصفحة وجهها المرمري غير قادرتين بالاشاحة بعيدا عن كتلة الوداعة والرقة التي تجاوره!!.. فمن يصدق أن هذا الجمال الملائكي يخفي طبعا ناريّا حادا، ولسانا حاميا تماما كالسكين الباتر!!…

تركت لنفسها العنان لتسبح في شريط ذكرياتها والتي تتلخص في كلمتين… حب وفراق، أم هم ثلاث كلمات في الواقع إن أضفنا… خيانة!!!..

كان ابن زوج أمها والذي أصبح بمثابة أخيها الأكبر بعد زواج والديهما، تعلقت به وبشدة، فكان هو أمنها وأمانها، ليصبح بطلها الخارق في طفولتها وما أن خطت الى أعتاب المراهقة حتى صار.. فارسها الأوحد!!!..

أحبته بكل مشاعر الأنثى في هذا السن، ونذرت نفسها له، كانت تتيه فخرا حينما يحضر لاصطحابها من مدرستها الثانوية، وتشعر بالغرور ورفيقاتها يحسدنها على ذلك الشاب الوسيم الذي تحظى برفقته في كل وقت وحين، لتنتهي الدراسة الثانوية وتبدأ المرحلة الجامعية، ومشاعرها أبدا لم تفتر بل تقوى وتتعمق، وعلى الرغم من أنه لم يسبق له وأن لمّح لها بخلاف مشاعره الأخوية التي يظهرها، ولكنها بداخلها كانت تأمل بأن يأتي اليوم الذي يراها فيه كـ.. “مطر”… حبيبته، وليست أخته كما دأب على قولها لها!!

حتى كان يوم.. كانت عائدة من جامعتها، والوقت كان متأخرا والطقس ممطر تماما كما هو الآن، فعرضت عليها صديقتها إيصالها مع شقيقها الأكبر، فاتصلت بوالدتها تستأذنها فوافقت فهي تعلم صديقتها تلك جيدا فهي من عائلة محترمة، وكان أن رآها خالد وهي تترجل من السيارة بعد أن صمم شقيق صاحبتها إيصالها حتى باب المنزل، بل وترجل قبلها ليقف حتى يراها وهي تدخل فيطمئن عليها!!..

وقتها تراقصت الشياطين أمام عيني خالد فلحق بها، وما أن دلفت إلى المنزل حتى كان في أعقابها، ليصرخ فيها ولأول مرة بغضب هادر، وهو يصفها بالاستهتار وعدم المسئولية حينما سمحت لنفسها باستقلال سيارة غريب، وماذا عمّن يراها من الجيران؟.. حينها جابهته بقوة لم يسبق لها فعلها، لتخبره بأنها قد استأذنت والدتها والتي أخبرته بذلك أثناء صياحه الغاضب، وأضافت أنها ومنذ اللحظة تعفيه من مهام الأخوة، فهو أولا وأخيرا ليس بـ.. أخيها!!!

ساعتها نهرتها أمها لقولها ذلك في حين أنها كانت تنتفض من داخلها، تكاد تصرخ أنه ليس بأخيها وهل لفتاة أن تعشق شقيقها؟.. وأجاب هو بجملة باترة وعينان جامدتين بأن “صدقتِ… فأنا لست بأخيك، ومن المحال أن أكون”!!!..

مرّ يومان على هذا الحادثة وفي الثالث فوجئت بأمها تدلف الى غرفتها ووجهها يطفح بالبِشر وهي تخبرها في فرح بأن خالد قد فاتح والده بأنه يريد.. الزواج بها!!..

لحظتها كاد قلبها يتوقف فعليا من شدة السعادة التي شعرت بها، خالدها هي يريدها زوجة له، إذن فهو يحبها!!.. وبالطبع وافقت في لحظتها، ليسير كل شيء بعدها في سرعة محمومة، وما هي إلا أيام قليلة وكانت ترتدي خاتمه، وقد تقرر أن عقد القرآن والزفاف سيكونان سوية بعد أن تنتهي من دراستها الجامعية، وذلك بناء على إصرار عمّها رياض، فخالد كان يريد أتمام الأمر كله دفعة واحدة، ولكن والده أصرعلى الانتظار، وفي نفس الوقت يكون قد تسلّم شقته السكنية في مشروع  اسكان الشباب!..

عامين مرّا عليهما، وهي تتيه به حبّاً، ولكن ما كان يصيبها بالدهشة هو عدم افصاحه بعد عن حبه لها، لن تنكر أنه يهتم بها، ويراعيها، بل وتشعر بغيرته الشديدة عليها ما أن يصادف أن يراها واقفة مع زميل لها ولو بمحض الصدفة، حتى وأن كان استاذها، ولم تجد سوى أمها لتفصح لها عن مخاوفها، فطمأنتها الأخيرة أن خالد انسان رزين ومتزن، ومن المؤكد أنه يحبها، ولكنه كرجال كثيرين، لا يستطيعوا التعبير بالكلمات بل الأفعال، وهذا هو المهم…

وفي نهاية عامها الأخير بالجامعة حدثت مشادة عادية بينهما تطورت الى خصام طويل، وعاندت هي تلك المرة، فهي لن تركض لمصالحته كما في كل مرة، حتى حينما فوجئت به يذهب للمكوث لدى صاحبه، لم تتنازل وأصرت أنه هو من أخطأ، فهي قد تغاضت كثيرا عن بروده ولا مبالاته، بل وغيرته الشديدة والتي تدفعه لجرحها في أحيان كثيرة، ولكن.. لا بد لها من وقفة، فالأمر لن يستقيم بينهما إن ظل الحال على ما هو عليه…

وحاولت أمها التدخل، بينما وقف عمها رياض في صفّها مانعا أمها عن محاولاتها في رأب الصّدع بينهما، ليزداد مقدار محبتها لهذا الأب الذي وان لم يكن أبيها البيولوجي، ولكنه نجح في أن يكون والدها الفعليّ!.. فقد أسرّ لها أنه يعلم ابنه جيّدا ومدى اعتزازه بنفسه، وترفعّه عن الاعتراف بالخطأ، وهذا ما لا يعجبه فيه، وأخبرها أنها وحدها من تستطيع دفعه للتغيير من أجلها، فما هو على يقين منه.. هو حب ابنه العظيم لها..

وأتت اللحظة التي كانت تتحيّنها، عندما صممت والدتها على حضوره لتناول طعام الغذاء لديهم، لينصرف والديهما بهدوء حتى يستطيعا تصفية الخلاف فيما بينهما، وقتها أغاظها ببروده الشديد، ونظراته اللامبالية، حتى حينما أخبرته عن عزمها للذهاب لعيد ميلاد رفيقتها لم يعقّب، لتهتف بغيظ مكتوم تعلمه أنها هي ذاتها من أوصلتها ذاك اليوم مع شقيقها، وحينها بدأ يفقد واجهة بروده ليقول آمرا وبغضب مكتوم أنه يمنعها من ذلك المشوار، لتمعن في استفزازه فهي تريده أن يصرخ بحبها، وعندما وجدت أنه لن يلقي باعترافه هذا، سألته مباشرة وبوضوح عن حقيقة مشاعره ناحيتها، فكانت إجابته الساخرة الباترة الـ… صااادمة.. بأنه لا يوجد ما يسمى بحب!!  فهو كذبة كبيرة، ضحك بها مؤلفون الروايات على العقول، ولكن هناك.. مودة، راحة واطمئنان!..

لم تخجل ساعتها أن تجادله بتحد قائلة بأنها “تحبه… أتراها تكذب على نفسها؟”.. ليكون تعليقه غاية في الاستفزاز لها وهو يقول ببرود بأنه.. “يعلم!!”.. وأحجم عن اعتراف مماثل كنت تتحرق شوقا اليه، لتنظر اليه في صمت لدقائق، قامت بعدها بخلع خاتمه في منتهى الهدوء ووضعته جانبا، ومن دون إضافة حرف تركته وانسحبت حيث غرفتها، لتوصد بابها عليها وبداخلها شعور بأنها قد اقتلعت روحها من بين جوانحها، وليس خاتمه!!!…

في الأيام الاولى لتركها له بفسخ الخطبة كانت أمها من تحاول إعادة المياه الى مجاريها، بينما حاول هو رؤيتها كثيرا، فرفضت، كما امتنعت عن الخروج لوحدها، وقد ساعدها أن قام والده بأمره لابنه بالابتعاد عن المنزل، فمكوثه معهم أصبح مستحيلاً، فهناك شابة محرّمة عليه، وعندما سخر خالد قائلا ان طوال عمره يقيم معهم وتلك الشابة بينهم، إذن ما الذي تغيّر؟… أجابه أبوه وقتها ساخرا بأنه كان سابقا خطيبا لابنته، وهو يعلم بأنه لم يكن ليتمادى معها، فهو أعلم الناس به، ولكن الآن.. وبعد أن فسخت ارتباطها به، فقد أصبح بقائه معهم مستحيلا، الأمر الذي جعل خالد يشعر بأن أبيه يطرده هو لأجلها هي، وكأنها صارت غريمته على حب والده، ناسيا أنها لم تعلم لها أبًا سواه، ليلقي لهم بالخبر الصاعقة بعدها بأيام قليلة، أنه سينقل عمله الى مدينة أخرى، تبعد آلاف الكيلومترات عنهم، وأنه سيستقر هناك، فالعمل يوفّر له المسكن المناسب، وسافر دون أن يلتفت اليها، لم يحاول الاعتذار منها، بل لم يحاول الضغط عليها كي تقبل بالعودة اليه، فقد تقبل فسخها لارتباطهما بكل برود، ولم تصدّق أمها، التي أقسمت لها أنها هي من ربّت خالد وتعلم جيدا أنه يتعذب في داخله، ولكنها سخرت، وطلبت منها ألّا تعود لفتح الحديث في هذا الأمر مجددا، فهو بالنسبة لها ابن الرجل الذي ربّاها فقط…

لكنها تبيّنت فشل ادعائها ذلك مع أول أجازة له، والذي صارح فيه أبوه برغبته بالزواج من زميلة له هناك!!.. وقتها لن تنسى نظرات عينيه المركّزة عليها، وكأنه يبعث اليها برسالة أنه ينوي معاقبتها على برودها ناحيته، بالزواج من غيرها، جاهلا أنه بذلك قد حرق سفنه جميعها معها!!!..

أدارت وجهها لتتطلع من النافذة متجاهلة عن قصد ذلك المتعجرف المجاور لها وهي تفكر..”عام كامل مرّ منذ آخر شتاء لها معه، ففي مثل هذا الوقت كانت لا تزال تحمل اسمه في حلقة ذهبية بسيطة حول اصبعها، ليرحل الشتاء ومعه يرحل حلمها ببيت صغير يجمعهما، وتوالت الاحداث خلال ذلك العام حتى زواجه بأخرى بعدها بشهور بسيطة لا تتعدى الستة أشهر، والآن هو زوج لغيرها منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، لن تنسى أبدا أول يوم بدأ فيه المطر بالتساقط في هذا الشتاء وهي تتطلع الى السماء الملبدة بالغيوم وتتذكر كيف أنها كانت تهوى السير تحت قطرات المطر في حين أنه كان دائما ينهرها لتخبره بدلال أنثوي أن المطر لن يصيبها أبدا بسوء فهي… مطر!!!.. ولكن… ترى ما السبب الذي جعله يرافق والده في رحلة العودة والذي كان قد سافر في أجازة سريعة اليه للاطمئنان عليه هو وعروسه، رافضا مرافقة أمها له حتى لا يتركانها بمفردها، من حديث والدتها صباحا خمّنت أن خالد سيأتي بمفرده مع والده، ترى أين هي زوجته؟.. وكيف له أن يترك عروسه بمفردها؟.. وما هو السبب القوي الذي دفعه لذلك؟..

صوت فرقعة عالية أخرجتها من شرودها الواضح واستغراقها في ذكرياتها المؤلمة، لتقطب ناظرة لذلك الأسمر الضخم والذي بدوره أطلق لعنة خافتة بينما ترجل رزق سريعا، وما هي إلا ثوان حتى مال على نافذة سيده التي فتحها الأخير مستطلعا الأمر ليخبره رزق باعتذار مؤكدا حدسه:

– عفوا سيدي، أنها عجلة السيارة ولا بد من استبدالها…

قال سيده بغروره الطبيعي:

– لا بأس رزق، قم بما يلزم…

لينظر اليها بعدها قائلا بأمر:

– هيّا، فـ رزق سيقوم باستبدال العجلة…

وأسرع بالترجل بينما تابعته هي بنظرات بلهاء ليميل اليها ناظرا لها من الباب المفتوح وهو يقول بنفاذ صبر:

– الأمر لا يحتاج الى تفكير أيتها الآنسة، هي أسرعي كي نستبدل تلك اللعينة سريعا فأنا لا أملك اليوم بطوله!!!..

تأففت مطر للمرة التي لا تعرف عددها اليوم وهمت بالخروج من ناحيتها عندما أوقفها صوته الآمر:

– بابك موصد… من هنا!!!!

لترفع عينيها الى الأعلى وهي تتمتم بداخلها رافعة عينيها الى الأعلى:

– الصبر يا رب!!!…

لتدلف خارجة ففوجئت به يقف أمامها تمام لتبتعد عنها ملتصقة بجسم السيارة البارد وهتفت بسخط وهي تشيح بيدها بعيدا كناية عن رغبتها بابتعاده عنها والتي هتفت به بلهجة أمر وسخط:

– ابتعد قليلا كي أستطيع المرور، هيّا… فأنا لا أملك اليوم بطوله!!!!!!!

كوّر أصابع يديه في قبضتين قويتين ورفعها لأعلى وهو يرفع رأسه ناظرا الى السماء متمتما بحنق:

– من تراه الذي تصبّحت بوجهه اليوم كي أبتلى بكِ!!!!

مطر وهي تهز كتفيها وببساطة:

– من المؤكد أنه ذاته الذي تصبّحت أنا بطلّته البهية!!!..

وأكملت هامسة بامتعاض:

– هو يوم واضح من أوله، طبيعي يوم يبدأ بـ “ولعياذ بالله”.. من المؤكد سينتهي بـ.. “أستغفر الله” و.. “منك لله”!!!!!!

قطب يسألها بعد أن أفسح لها كي تستطيع استئناف سيرها:

– أنتِ بما تهذين الآن؟..

عقدت ساعديها ونظرت اليه قائلة بتكشيرة:

– ولو أن الأمر لا يعينك في شيء من قريب أو بعيد، ولكن طالما أن  أحداث هذا اليوم قد طالتك فسأخبرك، فمن الواضح أنه سرّه “باتع”!!!!!

قطب مستفهما:

– باتع!!!.. من باتع؟..

مطر ببرود:

– من المؤكد ليس صاحب محل البقالة التي على أول شارعنا!!!…

ليتمتم بصبر:

– الصبر يا رب…

في حين أردفت هي بابتسامة سمجة وجهتها اليه:

– هو صاحب المؤسسة حيث أعمل..

قال وهو يشير الى مقهى صغير:

– من الواضح أنه حديث يطول شرحه، وبما أن المطر قد خف فأنا أرى أن ننتهز الفرصة ونلجأ الى هذا المقهى لنحتسي كوبا ساخنا من القهوة، إلى أن يتم رزق عمله…

ثم همس لرزق مشيرا الى المقهى قبل أن يدفعها بخفة في ظهرها، دون أن ينتظر سماع جوابها على اقتراحه، ولولا أنها تكاد تموت من التعب والبرد والجوع، فقد نسيت في خضم أحداث اليوم ومفاجأة أمها لها في الصباح تناول الطعام في استراحة الغذاء حيث أفقدتها شهيتها لذلك، لم تكن لتسكت على أمره الصلف هذا، لذا فقد انصاعت بهدوء لطلبه، ودلفت الى المقهى وهي تمنّي نفسها بقدح كبير من القهوة المحلاة الممزوجة بالكريمة، مع فطيرة جبن ساخنة يسيل لها اللعاب!!…

جلسا الى طاولة تطل على الشارع في حين كان رواد المقهى قليلين دليلا على خلو الشوارع من المارة في مثل هذا الطقس…

حضر النادل لتسجيل الطلبات فطلب قدحي من القهوة فسأل النادل عن نوعها فأجابت مطر ببساطة:

– أريدها ثقيلة محلاة، مع رغوة كثيفة من الكريمة….

تحدث هو بهدوء:

– وأنا قهوتي ثقيلة سوداء، دون سكر…

النادل باحترام:

– أية أوامر أخرى؟..

نظر اليها متسائلا:

– ماذا تريدين بجانب القهوة؟..

مطر بحماس وقد تهيأ لها منظر الفطيرة أمام عينيها:

– أريد فطيرة ساخنة من الجبن الذائب….

لتؤكد رافعة سبابتها:

– سااااخنة ها؟.. وليست باردة…

في حين كاد هو أن يبتسم قبل أن يقول للنادل وعيناه مثبتتان عليها:

– ائتني بنفس الفطيرة…

هز النادل رأسه بالتحية قبل أن ينصرف مسرعا لاحضار الطلبات في حين نظر اليها هو وقال:

– والآن أين كنّا؟.. آه… كنت في صدد إخباري عن صاحب العمل حيث تشتغلين، ولكن مهلا… ما طبيعة عملك أولا؟..

مطر بتلقائية:

– أنا سكرتيرة صغيرة في إحدى الأقسام التابعة للمؤسسة العالمية للتجارة، وصاحب العمل ذاك هو…

وسكتت تتلفت حولها وكأنها تخشى أن يظهر لها ما أن تنطق اسمه، قبل أن تميل فوق الطاولة التي تفصل بينهما باتجاهه ولم تعلم أنها قد أسرت نظرات ذلك القابع أمامها بحركاتها العفوية فيما أردفت هي بهمس وحذر:

– ولعياذ بالله!!!!!

قطب متسائلا بحيرة واستهجان وقد نجحت باستدعاء انتباهه الكامل لها:

– ماذا؟… أي اسم هو هذا؟!!!!!!

زفرت مطر بضيق قائلة:

– هو ليس باسم ولكنه… “صفة”!!!…

تعمقت عقدة جبينه في ذهول حائر قبل أن تتابع هي قالبة شفتيها كعادتها وقت سخطها:

– ولكنه ليس ببعيد عن اسمه… فاسم السيد المحترم هو.. “الـمعاذ بالله”….

“سيدي معاذ لقد انتهيت من استبدال العجلة”!!!!…

لو كانت مطر قد سمعت قبلا بعبارة “خانها سمعها”… فهي قد ترجّتها فعلا الآن!!!…

رفعت حاجبها الأيمن بريبة وقالت باستفهام هامسة:

– اسمك.. معاذ؟!!

أجابها بابتسامة ساخرة:

– نسيت أن أعرفك بنفسي… أنا.. “الـمعاذ بالله”!!!

نظرت إليه بعينين مفتوحتين على وسعهما تطالعه بصدمة بالغة وفم مفتوح ببلاهة وقد تدلى فكّها إلى الأسفل وهمست بغير تصديق:

– من؟…

لتهز برأسها في استفهام وعينيها ترجوه أن يكذّب ظنّها، ولكنه أومأ برأسه إيجابا مؤكدا صواب حدسها!!!.. فهمست مطر بدون وعي منها وهي تكاد تبكي:

– حسبي الله!!!

يتبع….

جميع الحقوق محفوظة للمؤلفة مني لطفي

تحت رعاية مبادرة كلمات ليست ككلمات

الجروب الرسمي للمبادرة علي الفيس بوك : من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى