غير مصنف

قصـــــــــــــــة انطفاء القمر ج11 والأخير

ولازلنا نستكمل قصة “انطفاء القمر”، القصة التي تحمل في طياتها وبثناياها الكثير من الحب والتضحية.

قصة عن فتاة ندر مثيلاتها بزماننا، فعلى الرغم من كل مآسي الحياة وصعوباتها إلا إنها استطاعت أن تصمد وتستكمل رسالتها بالحياة، وقد كانت رسالة سامية تمكنت من تأديتها على أفضل وجه على الإطلاق.

    انطفـــاء القمر ج11 والأخير

أتى “محمد” ابنها عقد عمل وكان من نفس محل عمل والده بالإمارات، أراد الذهاب لتخفيف كل أعباء والدته، ولكن “قمر” أبت فراق ابنها عنها بشكل نهائي لا رجعة فيه، وعندما لاحظت على ابنها الأحزان، جلست بجانبه لتعرف أسبابه ودوافعه.

علمت “قمر” من حوارها مع ابنها الحبيب أنه مولع بحب ابنة الجيران، وأنه حيي من أن يطلب مساعدة والدته وفي نفس الوقت يخشى أن يخسر حبيبته بأن يتقدم غيره لخطبتها ولاسيما كونها جميلة الشكل والطباع.

هنا أفاضت “قمر” لابنها بحجم تجارتها، وبأنها طوال السنوات الماضية وهي تجهز نفسها بعون الله لكل التحديات المقبلة؛ سعد “محمد” كثيرا بكل ما سمعه من والدته والتي رأى فيها كم هي عظيمة، وكم هي من مضحية، وطوال عمرها كانت لهم بمثابة الأب والأم ولم تقصر تجاه ابن أو ابنة طوال حياتها، أحسنت تربيتهم وأحسنت تعليمهم، وعلى الدوام تقف صامدة صمود الجبال، لم تشتكي لأحد يوما بمقدورها تحدي العالم بأكمله بكل ما حوى من أجل مصلحة صغارها، لم تحمل أبنائها أنفسهم ما لا يطيقون يوما.

ظفرت “قمر” في نفس اليوم بابنة الجيران لابنها، وحالها على الدوام مع جميع أبنائها تحقيق ما يطمحون إليه في حال أنه لا يتخالف مع شريعة الخالق سبحانه وتعالى؛ وبالفعل كانت سعادتها حينها لا توصف عندما أراحت قلب صغيرها بمن يحبها ويهواها قلبه، على عكس “علي” الذي كلما رأته كانت تتألم لحاله، فعلى الرغم من أنه قد تزوج باثنتين إلا إنه لم يستطع نسيان شقيقة صديقه ولم يستطع تجاوزها على الإطلاق حتى وإن لم يبوح بما في قلبه، فهي أمه في النهاية بإمكانها قراءة كل ما يجول بقلبه وبباله.

ثمرات الصبر والاجتهاد:

توسعت تجارة “قمر” للغاية ولاسيما عندما استلم “يوسف” و”إبراهيم” منها كل شيء بعد إنهائهما لدراستهما، فقد أضافا علمهما لخبرة والدتهما، وبالفعل استطاعوا أن يحققوا في عامهم الأول ما لم تستطع “قمر” الوصول إليه إلا بعد عشر سنوات من العناء والكد المتواصلين.

كل ابن من أبناء “قمر” قد تحمل مسئولية نفسه كاملة، فالفتيات باتت كل واحدة منهن بمنزلها مع زوجها وأبنائها غير مقصرة، عملن بكل حرف ونصيحة صغيرة وكبيرة كانت “قمر” قد غرستها بداخلهن؛ والأبناء فبات “علي” مع زوجتيه وقد جمع بينهما بمنزل واحد من طابقين، وقد رزق بولدين من زوجتيه ولدا في آن واحد بالإضافة لابنته والتي بروحها تجذب كل من يراها من المرة الأولى؛ و”محمد” سعيد للغاية مع ابنة الجيران والتي أكلت عليه لب قلبه وقد كانت من البداية نفسها من وقعت في حبه وكانت تطلب قلبه من خالقها في كل سجدة، و”أحمد” سعيد لأبعد الحدود مع ابنة خاله والتي تكن كل حب واحترام لعمتها “قمر” جزاءً لما فعلته مع والدها عندما تنازلت عن حقها كاملا في الميراث وأبت أن تقف أمامه وأمام بقية إخوتها في المحاكم بحثا عن حقها، وأصرت على كسب ابنة أخيها والفوز بها زوجة لابنها على الرغم من كل ما حدث؛ أما “يوسف” وإبراهيم فقد وجدا طموحهما في تجارة والدتهما والتي أشادت بهما وبمدى تفانيهما في العمل، وأن تعليمهما قد أتى بثماره من أول يوم بالعمل.

انطفاء القمر:

وفي يوم من الأيام شعرت “قمر” بدنو أجلها، لم تكن قد بلغت من العمر ما يجعلها تعجز عن الحركة أو عن ممارسة تجارتها والتي باتت تجري في عروقها مجرى الدم، أرادت “قمر” أن تريح أبنائها وتريح نفسها بعد مماتها لكيلا يتفرقوا من بعدها ولكيلا يعاد نفس السيناريو مع إخوتها، أرادت أن تقدم على هذه الخطوة لكي ترحل عن الحياة وهي آمنة مطمئنة على أبنائها جميعا وعلى نفسها بألا تكون قد خالفت أي حد من حدود شرع الله سبحانه وتعالى.

وكان من أبناء “قمر” الاثنين الصغيرين يوسف وإبراهيم يتميزان بحب التجارة كوالدتها ولكنهما قد أخذا الموضوع كاملا بطريقة علمية حديثة، كانا قد جمعا كل أموال والدتهما وقاما بتشغيلها بأسلوبهما، وقضيا أياما وشهورا طوال وسنوات، وقد استطاعا بعد الكثير من الكد والتعب والعناء والعمل المتواصل والتفاني فيه تأسيس شركة تتخصص في البناء وأخرى تتخصص في التصنيع.

قامت “قمر” بجمع أبنائها جميعا أرادت أن تعطي كل واحد منهم حقه كاملا عن تراضي وطيب خاطر وبلا منازعات ولا مشادات، وبالفعل أعطت “قمر” كل ذي حق حقه، وأعربت لأبنائها جميعا عدم حزنها نهائيا إن أرادو الانفصال في الشراكة التي تجمعهما، وإن أراد أحد منهم بيع نصيبه من فلا يتردد ثانية واحدة في ذلك؛ من النهاية كل واحد منهم ذكرا كان أم أنثى لديه كامل الحرية في فعل كل ما يريد، وكانت المفاجأة بأنهم جميعا تمسكوا بإكمال ما بدأته والدتهم، وأبوا التخلي عن بعضهم البعض مهما كانت الظروف ومهما صعبت عليهم تحديات الحياة بإمكانهم باتحادهم التغلب على أي صعوبات.

وقت رحيل القمر:

وجاء وقت الرحيل إذ اشتد المرض على “قمر” وخارت قواها، والتف أبناؤها جميعا من حولها وكانوا بأبنائهم الصغار؛ وعلى الرغم من  محاولاتهم البائسة لمداواتها إلا إن أمر الله سبحانه وتعالى قد نفذ.

أما بالنسبة لقمر فقد كانت في سعادة غامرة إذ أن عينيها وقعت حين الرحيل على أبنائها وذريتهم قبل رحيلها عن الحياة.

اقرأ الجزء السابق: قصـــــــــــــــة انطفاء القمر ج10

والجزء السابق له: قصـــــــــــــــة انطفاء القمر ج9

أما الجزء الذي يسبقه: قصـــــــــــــــة انطفاء القمر ج8

ريم إبراهيم

أعمل ككتابة محتوي مختص في القصص في موقع قصص واقعية منذ 5 اعوام وشاركت بأكثر من 1500 قصة علي مدار سنين عملي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى