قصص وعبر

قصص وعبر بعنوان ” وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ”

قال تعالى في كتابه العزيز في سورة البقرة: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، لا ينبغي علينا على الإطلاق مهما حيينا ومهما بلغ بنا من العمر أن ننسى هدفنا الحقيقي من الحياة وهو جمع الزاد والزواد اللازم ليوم لا بيع فيه ولا خلة، علينا دوما أن نذكر يوم القيامة يوم الأهوال وأن خلال رحلتنا بالحياة علينا التأسي بقصص وعبر للعمل الجاد.

القصــــــــــة الأولى بعنوان “لا تقنطوا”:

قصة إلى كل من عدا ثم اعتدى ثم اقترف ثم انتهى ثم ارعوى ثم انصرف… أبشر بقول الله تعالى في كتابه العزيز: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ)، ولا أعظم من هذه آية للتخويف، ولا أعظم من هذه القصة لتندرج تحت قصص وعبر، فهل لنا أن نخاف من شيء أكثر من خاتمتنا التي بها نلقى ربنا؟!

في يوم من الأيام قام رجل من أشراف البصرة بشراء جارية شديدة الجمال، وكانت بالإضافة إلى جمالها الخلاب تحسن العزف على العود والغناء والرقص بتناغم شديد، ولما ركب بها الرجل السفينة متجها نحو البصرة وجن عليهم الليل وكانت قد هدأت الرياح قام الرجل ووزع على طاقم السفينة بأكمله الخمر، وقال للجارية: “أمتعينا يا حُسن”، فقامت الجارية تغني وترقص وتتمايل وتضرب على العود والجميع كان قد ثمل وانتشى.

وفي إحدى زوايا السفينة كان هناك رجل صالح يقبع يقرأ القرآن الكريم ويمتنع عن مجالس العصيان، فاقترب منه الرجل ساخرا مستهزئا بما يفعله قائلا: “يا أيها الفتى هل سمعت طيلة حياتك أفضل من هذا؟!” (ويقصد بهذا جاريته وأفعالها من رقص وغناء).

فقال الفتى الصالح: “نعم لقد سمعت”؛ فقال الرجل لجاريته: “اسكتِ يا حُسن”، والتفت للفتى وقال له: “آتنا ما عندك وأسمعنا”، فقال الفتى بصوت جميل عذب: (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا، أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا، مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا).

وقعت الآيات على قلب الرجل وانكسر لها وارتجف خائفا يترقب، فسكب كأس الخمر في المياه وقال: “أشهد أن هذا أفضل مما كنت أسمع، أعندك غيرها؟”

فرتل الفتى بصوت عذب قول الله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)، فارتعد الرجل من الآيات التي تليت عليه فقام وسكب جميع الخمور التي على السفينة في البحر، وقام وكسر العود، وقال لجاريته: “يا جارية اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله تعالى”؛ وانزوى بنفسه في ركن بالسفينة وأخذ يردد قائلا: “أستغفر الله… أستغفر الله وأتوب إليه”؛ وعندما قدم عليه الفتى الصالح سأله قائلا: “يا فتى وهل لمثلي من مخرج؟!”

فرتل عليه الفتى عندما رآه قد انكسر ورق قلبه وخشعت جوارحه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فأخذ الرجل يرتعد وترتجف جميع جوارحه وأخذ يردد ويقول: “أشهد أن الله غفور رحيم.. أشهد أن الله غفور رحيم..” ولازال يرددها حتى شهق شهقة ومات إثرها!

يقول راوي القصة: “والله لقد وصلت السفينة إلى البصرة مقصدها بعد أيام، وما انتفخ جثمان الرجل وما خرجت منه أي رائحة خبيثة على الإطلاق”!

القصــــة الثانيـــــة من قصص وعبر:

واحدة من قصص وعبر لما لها من أثر سيء على النفس وعلى الآخرين، ولما بها من آثار جسيمة على خسارة العبد المؤمن نفسه وقلبه وربما يختم على قلبه وعلى كل حياته بسوء الخاتمة…

في يوم من الأيام ذهبت فتاة في العشرينات من عمرها لمحل جزارة وكانت مصرة على مقابلة صاحب المحل شخصيا، وعند مقابلته طلبت منه طلبا وكانت ترجو ألا يردها في طلبها، وكان طلبها عجيبا للغاية، أرادت الفتاة أن تحصل على لوح كتف العجل، فأخبرها المالك بأن سعره باهظ  للغاية، فأعلمته بأنه يمكنها أن تدفع أي ثمن للحصول عليه.

فسألها مالك المحل أنه سيعطيها اللوح ولكن عليها أن تخبره ما السبب، فأجابته بأنها تريد أن تطهوه جيدا وتستخدم المرق الخاص به في طهو بقية الطعام، فأخبرها حينها بأنه يمكنه أن يعطيها أفضل منه من عظام بالعجل مليئة بالعصارات!

ولكن الفتاة كانت تصر إصرارا غريبا على حصولها على لوح الكتف، فأخبرها مالك المحل عن ثمنه وحينها أخبرها بأن لن يبيعه إلا بألف جنيه، وافقت على السعر، فأحضر الجزار بيت الكتف وأخلاه من اللحم، وما إن اقترب أن يضعه بين يديها أمسك بأداته الحادة وشقه نصفين، فغضبت الفتاة لذلك بشدة ولامته على فعلته، فأخبرها وما الضرر في ذلك يمكنها بذلك أن تطهوه بكل سهولة، فأخبرته بأنه بذلك الفعل قد خربه وأنها تريد مالها في الحال.

كان الجزار يعرف نواياها السيئة من اللحظة الأولى التي طلبت فيها لوح الكتف وتعمد أن يجاريها في الحديث، أخبرها بأنها إن لم تنطق بكل حرف فسيحضر إليها رجال الشرطة يتعاملون معها بطريقتهم الخاصة، سألها عن قلبها الذي تحجر لأذيتها أناس مثلها، أخبرها بأنه مهما حدث فلا يسمح لها بأن تؤذي إنسانا مثلها.

وفي النهاية أعطاها درسا وأخبرها بأن مالها سيؤدبها به، وتوعدها إن رآها مرة أخرى فلن يرحمها؛ وبينه وبين ربه أخرج المال لله سبحانه وتعالى ووقف بمنتصف الطريق وأعطى درسا طويلا في لوح الكتف والسحر الذي يعمل عليه، وأن هذه النوعية من الأسحار لا يمكن فكها!

ريم إبراهيم

أعمل ككتابة محتوي مختص في القصص في موقع قصص واقعية منذ 5 اعوام وشاركت بأكثر من 1500 قصة علي مدار سنين عملي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

زر الذهاب إلى الأعلى