قصص قصيرة

يوراشيما حكاية من اليابان من سلسلة حكايات الشعوب

نحكي لكم اليوم قصة جميلة من سلسلة حكايات الشعوب ، قصة يوراشيما من اليابان وهي قصة خيالية تغير من التراث الياباني، تغير اسمها العديد من المرات، فكان اسمها في البداية أوراشيما تارو في القرن الخامس عشر إلا ان القصة في الواقع اقدم من ذلك، استمتعوا الآن بقراءة هذه القصة من موقع قصص واقعية وللمزيد يمكنكم زيارة قسم : قصص قصيرة .

يوراشيما حكاية من اليابان

منذ سنين طويلة عاش ولد صغير بجانب البحر حيث تتكسر الامواج الخشراء علي الشط ليتناثر رذاذ ضبابي، مكوناً سحابة رقيقة .. هذا الولد يوراشيما كان يحب الماء كأنه شقيق له ، وكثيراً ما كان يخرج في قاربه منذ الفجر الارجواني الي لحظة غياب الشمس ليصطاد الاسماك وذات يوم علق شئ ما بالصنارة، جذبه إليه ولكنه لم يجد سمكه بل لمح سلحفاة عجوزاً، نظر اليها في لطف وقال : لا اظنني قادراً علي ان احتفظ بك يا صديقي العجوز، إذ انك لا تصلحين طعاماً لعشائي، لذا سأطلق سراحك .

اعاد يوراشيما السلحفاة الي الماء من اجل ان تحتفظ بحياتها ألف عام كما يعتقد اليابانيون وما ان سقطت بين الامواج حتي اثارت نافورة تعالت مياهها، وفي قلب المياة خرجت فتاة غاية في الجمال خطت نحو القارب ويوراشيما وقالت له : انني ابنة ملك البحر، كنت متنكرة في هيئة السلحفاة التي اصطدتها، وقد بعث بي أبي لكي اختبرك، ولأعرف إذا كنت عطوفاً كما يبدو علي ملامحك ام لا وها قد ثبت لي ذلك، إن ابي يقول دائماً إن هؤلاء الذي يحبون البحر يستحيل عليهم ان يكونوا قساة القلب ، هل لك ان تأتي معي الي قصر التنين الذي يوجد تحت هذه الامواج الخضراء ؟ شعر يوراشيما بفرحة غامرة إزاء هذه الدعوة التي قبلها علي الفور وامسك كل منهما بمجداف وانطلقا بالقارب .

وقبل ان تغيب الشمس كان يوراشيما والاميرة قد وصلا الي اعماق المياة، تفهما اسماك مختلفة الالوان والاحجام، وتسبح بين الشعب المراجانية وكانت اصوات الامواج تصل الي سمعهما من فوقهم، لتجعل من الصمت شيئاً رائعاً .. وصلا الي قصر التنين الذي بني من المحارات واللآلئ والزمرد وكانت هناك اضواء ساطعة تشع منه وتخترق المياة الي مسافات بعيدة والاسماك تسبح هنا وهناك، وتستجيب للنداه اذا ما استدعاها احد .

كان يوراشيما يلتفت يميناً ويساراً لا يكاد يصدق هذا الذي يجري له وظن انه يعيش حلماً غريباً لم يسبق له ان رأي مثله، عاش يوراشيما حلمه الجميل وشعر بسعادة غامرة مع الاميرة في قصر التنين لسنوات اربع قصيرة، مرت كأنها ومضة وفجأة تذكر بينه ووطنه واشتاق الي رؤيته ابيه واهله وقريته، وشعر برغية شديدة في ان يرجع الي وطنه، والي الشط الذي تتكسر عليه الامواج الخضراء، ولم يكن يوراشيما الي ان يذكر كل هذا للأميرة، فقد ادركته كأنها كانت تنتظرة، وقالت له : اني اري الشوق في عينيك الي بيتك واهلك وبلدتك، ولست استطيع ان احول بينك وبين ذلك، واني لأخشي ان ادعك تذهب ولكنني اعلم يقيناً انك سترغب في ان تعود الي هنا مرة اخري، ومرحباً بك في اي وقت .. خذ هذا الصندوق واحتفظ به جيداً ولا تحاول قط ان تفتحها لأن ذلك إذا حدث فإنك لن تعود ابداً .

وضعت الاميرة يوراشيما في قاربه وراح يجدف بسرعة والشوق يدفعه تجاه مسقط رأسه حتي تمكن من الوصول الي قريته التي راح يتطلع اليها في حب وشوق، لكن مفاجأة كانت تنتظرة، لم يجد بيته كما ان الاكواخ والبيوت الاخري لم تكن هي التي تعود ان يراها، فهي غريبة عليه، ولم يقع بصره عليها من قبل لكنه مضي علي الطريق يلتفت حوله واذا به يلتقي مع اطفال لم يسبق له ان تعرفهم، وكانوا ينظرون اليه في دهشة كبيرة، سأل نفسه : هل يمكن ان يحدث كل هذا التغير خلال اربع سنوات لا اكثر ولا اقول، لمح يوراشيما رجل عجوز قادماً من الشط، فاتجه اليه يسأله : هل تستطيع ان تخبرني يا سيدي اين ذهب بيت يوراشيما ؟ قال العجوز : يوراشيما ؟ الا تعرف أنه قد غرق منذ اربعمائه سنة، لقد خرج بقاربه الي عرض البحر ولم يعد، وقد رحل عن الدنيا اشقاؤه وابناؤهم واحفادهم، بل واحفاد احفادهم منذ سنوات بعيدة .. كان يوراشيما يستمع في ذهول، يم لعد ابوه وامه علي قيد الحياة وكذلك اشقاؤه واصدقاء طفولته، وايضاً الكوخ الذي كانوا يعيشون فيه، كم كان يحبه ويحبهم، وكم يهزه الشوق الي لقياهم .

لم يجد يوراشيما طريقاً امامه سوي العودة الي قصر التنين، ولكن كيف السبيل الي ذلك، مضي يسير صامتاً علي الشط لا يعرف الي اي طريق يمضي، وفجأة تذكر الصندوق الذي اعطته الاميرة اياه، لكنه نسي ما نصحته به وإلا فإنه لن يرجع اليها ابداً، اخرج الصندوق من جيبه وعالجه حتي فتحه، واذا بدخان يخرج منه مكوناً سحابة بيضاء احاطت به واحتوته وخيل إليه انه لمح وجه الاميرة في قلبها، فناداها ولم ترد، جري نحوها لكنه لم يستطع الوصول اليها، مضت السحابة تجاة المياة وسحبت فوقها قليلاً حتي اختفت تماماً وخلال ذلك شعر يوراشيما انه قد تقدم كثيراً في العمر وانه صار عجوزاً وصار شعر رأسه ابيض تماماً، واحس ان رجليه غير قادرتين علي ان تحملاه، واذا به يتهاوى ساقطاً علي الرمال وبدأ يتقلص وينكمش ويذوب في ذلك الماضي البعيد الذي كان فيه ، وجاءه صوت السلحفاة الصغيرة الحزين من البحر تقول له “ألم أخبرك ألا تفتح الصندوق؟! إنه عمرك الطويل .

وعندما شق القمر طريقه عالياً في السماء راح يبحث اشعته الفضية علي الشط، لم يكن هناك فوق الرمال شئ غير علبة صغيرة مفتوحة من اللؤلؤ، وكانت امواج المياة الخضراء ترفع اذرعها زبداً ابيض يتكسر علي الشط، كما كان يفعل قبل ذلك، منذ أربعمائة عام !

بقلم :عبد التواب يوسف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى